الموضة ليست مرتبطة بالأزياء فقط. إنها شيء يوجد من حولنا في الهواء، إنها النسائم التي تحمل معها الصيحة الجديدة، إنك ستشعر بمجيئها وتشم عبيرها في السماء وفي الشارع؛ فالموضة مرتبطة بالأفكار وأسلوب حياتنا وما يحدث من حولنا.
بطريقةٍ ما، وفي مرحلةٍ ما من حياتك، لا بد أن شيئًا ما قد أطلق شرارة الإبداع بداخلك. فربما عندما كنتِ طفلة تخلصتِ من الرداء الأصلي الذي جاءت به دمية باربي الخاصة بكِ، وصنعتِ لها رداءً أكثر أناقة على نحو كبير. أو عندما بدأتَ تكبر كنتَ منبهرًا بشدة بمظهر والدتك وأنت تشاهدها وهي تتأنَّق للخروج لقضاء إحدى السهرات في المدينة؛ إذ كنت تدقِّق في ثوبها وحذائها وحُليِّها وشعرها. أيًّا كان ما دفعك إلى قرارك بامتهان مهنة مصمم الأزياء، فمرحبًا بك.
لا يوجد مجالٌ مُجزٍ ومُرضٍ أكثر من تصميم الأزياء؛ إذ يصنع شخص لديه رؤية إبداعية — من مجرد فكرة واتته بالعصف الذهني — مجموعة من الملابس تصلُح للبيع بالكامل، وتُعرَض في عروض الأزياء وفي المتاجر وفي الكتالوجات وعلى الأشخاص من مختلف أنحاء العالم. وبدايةً من الفكرة وصولًا إلى المنتج النهائي، يتخطى ما يفعله مصممو الأزياء مجرد التصميم؛ ففي يوم العمل العادي، قد يختار المصمم عارضي الأزياء الذين سيقدمون عرض أزياء قادمًا، ويلتقي مدير العلاقات العامة لمناقشة مسألة التغطية الصحفية العالمية، ويحل مشكلةً تتعلق بالقياسات مع فريق التصميم الفني، ويطلب استشارة القسم القانوني للتأكد من أن الملصق الخاص بالملابس لا يخالف القواعد التنظيمية الحكومية، ويناقش أفضل قطع الملابس التي حققت أعلى مبيعات الموسم الماضي مع قسم الترويج.
باعتبارك مصمم أزياء يحلم بطرح مجموعته الخاصة، فأنت لن تتاح لك الفرصة لإبراز قدراتك الفريدة في التصميم أمام العالم وحسب، بل أيضًا للتعبير عن وجهات نظرك الشخصية بشأن القضايا المجتمعية واللحظات الحاسمة في التاريخ، بدايةً من الشئون السياسية والسلام العالمي، وصولًا إلى الأعمال الخيرية والقضايا الإنسانية وحقوق المثليين والاستدامة البيئية؛ فمثلًا، مصمم الأزياء الشهير كينيث كول معروف بتعبيره القوي عن آرائه الشخصية في حملاته الإعلانية. وهذه واحدة فقط من العديد من الطرق المثيرة التي يمكنك من خلالها استخدام إحساسك الفطري بالأناقة وإدراكك الدقيق للألوان وإبداعك الشخصي وموهبتك الفنية في التأثير على الأفراد وأنماط الحياة والاتجاهات المجتمعية؛ لذلك، في الواقع، لا يستطيع مصممو الأزياء فقط صنع ابتكارات في عالم الموضة، وإنما أيضًا نقل رسالة مهمة بالنسبة لهم إلى الناس.
إن الموضة ليست مجرد منتج؛ فهي تجسيد لهوية الأفراد، وطريقة تعبيرهم عن أنفسهم وإدراكهم وتصويرهم لها، وطريقة تصرُّفهم، وأسلوب حياتهم. وتُعتبر الموضة وسيلة لتحسين الحالة النفسية؛ فيمكنها تحسين نوعية حياتنا ورفع معنوياتنا، وأهم من هذا كله، يمكنها إدخال السعادة على أنفسنا؛ فمعظم الناس يتباهَون بالتعبير عن جمالهم الشخصي من خلال ما يرتدونه وطريقة ارتدائهم له، من الرأس حتى القدمين. ويوجد عامل نفسي في الموضة يمكنه التأثير بعمق على المستهلك (على سبيل المثال، شعور بالثقة أو شعور غامر بالقوة) عند ارتدائه لنوع معين من الملابس أو الأحذية أو الحُليِّ أو حتى عند وضعه لعطر معين، والمصمم الجيد يضع هذا دومًا في اعتباره عند تصميم منتجات لعميله المستهدف.
تُتاح لمصمم الأزياء فرصة اختيار ملابس عملائه في حياتهم المهنية والاجتماعية على حد السواء؛ بدايةً من أكثر اللحظات إثارة في حياتهم وصولًا لأحلك أيامهم. إنك ستلعب دورًا أساسيًّا في دعم حياة الأفراد والتأثير فيها بالأزياء التي تصنعها من أجلهم في اللحظات المحورية في حياتهم؛ بدايةً من اليوم الأول لولادة الفرد، واليوم الأول لذهابه إلى روضة الأطفال، ويوم تخرُّجه من المدرسة الثانوية، ويوم تخرجه من الجامعة، وصولًا ليوم تقدُّمه للحصول على عرض وظيفة مهم، ويوم عُرسه، عندما تدخل عروس المستقبل قاعة الزفاف وتتقدم متوترة — لكن متحمسة — في طريقها إلى عقد قرانها.
عاش مصمم الأزياء اللبناني البارز إيلي صعب هذا الحلم؛ إذ صمم ملابس الممثلة هالي بيري في حفل توزيع جوائز الأوسكار الرابع والسبعين، عام ٢٠٠٢، الذي كانت فيه بيري أول سيدة سمراء تفوز بجائزة أوسكار أفضل ممثلة. وفي خطابها المؤثر عند تسلُّمها الجائزة، قالت والدموع تنهمر على وجنتيها: «هذه اللحظة أكبر مني بكثير. أُهدي هذه اللحظة إلى دوروثي داندريدجي، ولينا هورن، وديهان كارول. وإلى السيدات اللاتي وقفن بجواري؛ جادا بينكيت، وأنجيلا باسيت، وفيفيكا فوكس، وإلى كل سيدة سمراء أصبح لديها فرصة الآن؛ لأن هذا الباب أصبح الليلة مفتوحًا أمامها.» رغم أن السيد إيلي صعب لم يكن موجودًا على المسرح مع عميلته؛ فقد لعب دورًا أساسيًّا خلف الكواليس بطريقتين مهمتين للغاية. أولًا، ساعد عميلته في الشعور بالثقة في هذه المناسبة المهمة لها. وثانيًّا، بنى مستوًى معينًا من الثقة معها دفعها إلى اختياره ليصبح مصممها في مثل هذه اللحظات المهمة من حياتها. ويَنتُج عادةً عن الرابطة التي تنشأ بين مصمم الأزياء والعميل صداقة تدوم طوال العمر.
إن هذا العالم المدهش هو المكان الذي ينبض فيه الابتكار بالحياة، والذي لا حدود فيه للتأويلات الإبداعية. وبالنسبة إلى آلاف المصممين حول العالم، سيصبح هذا الشعور، هذا الجزء الذي لا يتجزأ من ماهيتهم ومن طريقة تعبيرهم عن أنفسهم؛ هو مصدر رزقهم. ويومًا بعد يوم، وخلال ساعات العمل الشاقة ولحظات الضغط الشديد، سيساعد هذا الشغف في حثك على تصميم مجموعة أزياء تلو الأخرى، موسمًا تلو الآخر، وسنة تلو الأخرى.
(١) المقصود بتصميم الأزياء
يُعرِّف قاموس مريام وبستر الموضة على أنها التقليد أو النمط السائد. وتصميم الأزياء هي عملية يجري فيها تحويل نمط إبداعي مُتصوَّر إلى ملابس وإكسسوارات قابلة للارتداء. والملابس (التي تُعرف أيضًا باسم الثياب أو الأَرْدية أو الأَلْبسة) في أبسط تعريف لها، هي غطاء للجسم، يُصنع عادةً من نوع من القماش، أما الإكسسوارات، فهي عناصر مكمِّلة للملابس، وتكون إما للزينة فقط (مثل الحُليِّ)، أو تكون لها منفعة (مثل الساعة)، أو تكون ضرورية في الحياة اليومية (مثل الحذاء). وتضم أكثر أشكال الإكسسوارات شيوعًا: حقائب اليد والأحذية والقفازات والأوشحة والقبعات والأحزمة والجوارب (بما في ذلك الجوارب القصيرة والجوارب النسائية الطويلة والأغطية المُدفِّئة للسيقان والجوارب الطويلة الضيقة)، والحُليِّ (بما في ذلك الأقراط، والسلاسل، وأساور الرسغ والذراع والكاحل، والخواتم، وحُلي الثَّقْب، والساعات)، ونظارات الشمس، ودبابيس الزينة، والبروشات، ورابطات العنق، والبابيونات، وحمالات البنطلونات.
تنقسم صناعة الموضة إلى خمس أسواق رئيسية على أساس السعر: الملابس الراقية (الهوت كوتور)، والملابس التي تحمل علامة المصمم، والملابس العالية الجودة المتوسطة السعر، والملابس العالية الجودة المنخفضة السعر، والملابس الشعبية. ومع ذلك، توجد أسواق إضافية يكون الإلمام بها على نفس قدر الأهمية، بما في ذلك، الملابس المصنَّعة حسب الطلب والملابس المفصَّلة والملابس العصرية وملابس الدرجة الثانية وملابس العلامة التجارية الخاصة وملابس الخصومات. تُقدِّم الأجزاء التالية سردًا وشرحًا لكافة أسواق صناعة الموضة، من الأعلى سعرًا إلى الأقل سعرًا.